محمود إبراهيم النقيب
الخلفية والسياق:
تواجه الدول ذات التقنيات الأقل تطورًا والتي تفتقر إلى أنظمة ملكية فكرية فعّالة، خطر الاستغلال الجائر لمواردها الوراثية ومعارفها التقليدية. هذه الموارد، التي تتميز بخصائص واستخدامات متعددة، تُستغل من قبل الشركات الكبرى في مجالات التكنولوجيا الحيوية والأدوية، حيث تُستحوذ هذه الشركات على حقوق الملكية الفكرية للموارد الجينية والمعارف التقليدية دون تقديم تعويض عادل لأصحاب هذه المعارف في الدول النامية.
في خطوة تاريخية، اعتمدت الدول الأعضاء في منظمة الملكية الفكرية العالمية (الويبو) معاهدة جديدة تتعلق بالموارد الوراثية والمعارف التقليدية المرتبطة بها. جاء هذا الإنجاز البارز الذي يُضاف إلى سجل إنجازات الويبو خلال المؤتمر الدبلوماسي الذي عُقد في جنيف من 13 إلى 24 مايو 2024، ويُعد ثمرة لعقود من المفاوضات وجهود مستمرة من الدول النامية والمجتمعات الأصلية لحماية حقوقها. على الرغم من التحديات السياسية والتنافس بين المصالح المختلفة، نجحت الويبو في تحقيق تقدم كبير في هذا المجال، حيث شهدت النقاشات، التي انطلقت منذ عام 2001، مشاركة فعالة من الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية، مما أبرز أهمية الإبداع الجماعي والملكية المشتركة.
الدوافع والأهداف:
الحاجة الملحة لإصلاح النظام الدولي للملكية الفكرية وتوفير حماية شاملة وعادلة للمعارف الوراثية التقليدية كانت الدافع وراء هذه المعاهدة. لسنوات، عانت المجتمعات المحلية من الحرمان من حقوقها في تعزيز واستغلال معارفها التقليدية، مما أدى إلى ضرورة التدخل القانوني الدولي.
ضمان تقاسم الفوائد المادية والمعنوية بشكل عادل ومنصف للدول والمجتمعات المحلية الأصلية، بالإضافة إلى حقوق الدول في ممارسة سيادتها على هذه الموارد. إنها تتطلب استجابة متعددة الأبعاد تشمل تطوير استراتيجيات وخطط عمل وطنية ودولية لحماية الحقوق السيادية وضمان تقاسم الفوائد بشكل عادل ومنصف.
يتضمن الاستغلال غير المشروع عمليات جمع ونقل العينات والأصول الجينية الوطنية خارج الحدود بطرق مشروعة وغير منظمة، مما يُعتبر قرصنة بيولوجية وتجارة غير مشروعة للأصناف والأنواع والكائنات النادرة في البيئة. هذا يتطلب من الدول المتضررة مواجهته ووضع التشريعات اللازمة لمنع تكرار حدوثه مستقبلاً.
أبرز بنود المعاهدة:
تضع المعاهدة شرط كشف جديد في القانون الدولي يطلب من مودعي طلبات البراءات الكشف عن بلد منشأ الموارد الوراثية أو مصدرها لضمان التوازن والشفافية.
في حالة الاختراعات المستندة إلى معارف تقليدية، تنص على وجوب الكشف عن الشعوب الأصلية أو المجتمعات المحلية التي ساهمت بهذه المعارف.
وتمثل هذه المعاهدة أول صك قانوني دولي يعالج العلاقة بين الملكية الفكرية والموارد الوراثية والمعارف التقليدية. فهي تعترف بالحقوق السيادية للدول على مواردها الجينية وتسعى إلى ضمان تقاسم عادل ومنصف للفوائد.
أهمية المعاهدة:
تتمثل أهمية المعاهدة في أنها تعالج قضايا العدالة في توزيع الموارد الوراثية وتتوافق مع الحقوق الإنسانية الأساسية والتراث الثقافي. كما أنها تعمل على تحقيق التوازن بين المصالح المختلفة وتعزيز العدالة للشعوب الأصلية.
التحديات والتطلعات:
على الرغم من الإنجاز الكبير الذي تمثله المعاهدة، تظل هناك تحديات جوهرية تواجه تنفيذها، أبرزها بناء القدرات في الدول النامية لضمان تطبيق فعّال لأحكامها. التطلعات مرتفعة بشأن الدور الذي ستلعبه المعاهدة في تشكيل نظام الملكية الفكرية العالمي وتعزيز حماية التراث الثقافي. تُمثل معاهدة الويبو بشأن الموارد الوراثية والمعارف التقليدية خطوة مهمة نحو تحقيق نظام ملكية فكرية أكثر شمولية وعدالة. هذه المعاهدة تُقدر وتعترف بالمساهمات الثقافية والمعرفية للشعوب الأصلية وتضمن حقوقهم على الصعيد العالمي، مما يفتح آفاقًا جديدة لحماية التراث الثقافي وضمان استمراريته للأجيال القادمة.